هل أسافر من أجل الناس أم من أجل نفسي؟
هذا السؤال كان دائماً ما يحيرني و لم أجد له جواب حتى وقت قريب , و لهذا قررت أن أضع رأيي هنا.
مرة كنت في السيارة و صادف أن كانت بنت مشهورة في سيارة جنبي , لاحظتها تصطنع قمة الابتسامة ثم (كليك) هممم حسناً يبدو إنها لقطة جيدة لسناب لكن يجب علي أن أعيدها (كليك) مع ابتسامة أكبر , جيد الآن أصبحت جميلة , ثم عاد الشحوب يملأ وجهها. هذا المشهد تكرر كثيراً. يوم كتابة هذا المقال مثلاً مر علي فيدو لبنتين سافرا سوياً (مشهورتان بالمناسبة) و قد ملأتا حسابهما بصور و فيديوات عن رحلتهما تلك.
هذه الأشياء تجعلني في حيرة و أهز رأسي محوقلاً , يبدو إن كثير من الناس يسافرون من أجل إظهار إنهم سافروا!
لكن الأمر ليس بهذه البساطة بل أعقد من ذلك. أحدى السفرات التي سافرتها مع زوجتي حرصت على أن لا أصور و أقلل استخدام الهاتف و أعيش متعة السفر. كان مهم بالنسبة لي أن أعيش السفر ولا أنشغل بالتصوير. لكن ماذا حدث؟
أصبت بالإحباط عندما رجعت و حاولت تذكر بعض الأماكن الجميلة. آه تذكرت لم أصور وقتها عشت تماماً هناك. حسناً فعلت , لكن الأمر أصبح أسوء بمرور الوقت. أريد هذا الاحساس الناعم بالسعادة عندما تشاهد الصور و تسترجع الذكريات. تباً هل كانوا المشاهير على صواب فيما يفعلون!؟ خاصة و إن دراسة أشارت إلى أن من يلتقط الصور تزيد سعادته مقارنة بمن لا يلتقطها!
فما الحل؟
الحل الذي وصلت إليه بعد حيرة طويلة هو كالتالي ..
لما أصل إلى منطقة , لنفترض إني سأقضي ساعتين في منطقة ذات طبيعة خلابة سأقوم بأخذ صور بزوايا جميلة للطبيعة و لي و للمرافقين في أول دقائق من الرحلة. ثم أتوقف و أعيد الهاتف أو الكاميرا إلى الحقيبة و أعيش اللحظة و استمتع هناك. لا لن أصور الآيس كريم ولا القهوة ولا غيره. لن أحاول تصوير كل شيء , يكفي توثيق الرحلة. إلا لو ظهر شيء غير اعتيادي , ظهور جمل في ريف النمسا أمر يستحق أن أسحب الكاميرا مرة أخرى لتصويره.
ثم ماذا بعد؟
لن أرسل الصور (على الأقل في حينها) و الأفضل أن لا أرسلها حتى نهاية الرحلة. ممكن نهاية اليوم للأهل لكن صور الانستقرام ستكون مزعجة. لماذا؟ لأن بهذه الطريقة سيشتغل جزء من الدماغ و يتحفز لمتابعة اللايكات و رأي الناس و التعليقات على الصور .. ربما وقتها تكون في أجمل بقاع الدنيا لكنك بنشر الصور في الانستقرام ستفسد المتعة عليك و تتعلق بردات الفعل.
و ماذا بعد؟
لو هناك شيء يستحق التصوير في الفيديو. سأحاول تصويره بدون تعليق. لماذا؟ لأن التعليق يعني بالضرورة التنسيق بين الصوت و الصورة و هو يعني تكرار التصوير في حالة عدم وجود تزامن بينهما و هو ما سيحصل أكيد في أي تعثر بالصوت. لو مهتم بنشر الفيديو في الانستقرام فالأفضل أن تنشر الفيديو و تعلق عليه بصوتك من خلال برنامج تعديل و هو في الحقيقة ما تفعله كبرى الأفلام الوثائقية. الفيديوات الوثائقية التي تنشر بصوت ديفيد أتينبراغ. لا تجده يظهر فيها و هو يتكلم و يشير و إنما يركب صوته بالتعليق على الفيديو. أجد هذه الطريقة مناسبة جداً للحفاظ على متعة اللحظة.
هذا التوازن بين ذلك و ذاك يجعلني في راحة أكبر في العيش في اللحظات السعيدة أثناء السفر مع الاحتفاظ بذكريات الأماكن الجميلة تلك.