عندما يصل عمر الطفل ٤ أشهر يبدأ الوالدان بتجربة أقدم حيلة لاضحاك طفلهم الصغير و هي ما تسمى بالانجليزية (peek-a-boo) عندما يغطي الأب أو الأم وجههما و يفتحه لتصدر ضحكات تعبر عن دهشة الطفل الذي كان يظن إن الأب اختفى فجأة بمجرد تغطية يديه لوجهه.
العملية يمكن تكرارها و يمكن أن يعيد الطفل نفس ضحكاته تلك النابعة من الدهشة المتكررة.
قد تكون أحد أشهر المؤشرات التي أراها عند التقدم بالسن هي قلة الدهشة مع مرور الوقت. يصبح كل شيء تقليدي و متكرر , مألوف و متوقع و هو أمر يفقد المتعة في الحياة حقيقة.
سمعت مرة أحد الرحالين العرب الذي وطأ تقريباً كل بقاع الأرض إنه أحياناً يزور دولة ما ولا يندهش بشيء من شدة ترتيبه للبحث عنها قبل السفر. رغم إن السفر يجب أن يكون أحد أكثر الأشياء التي تبعث على الإنسان الدهشة! لكني أيضاً سمعت من رحاله آخر و هو ابراهيم سرحان إذ ينصح بأن لا تكون الخطة مكتملة ١٠٠٪ , يجب أن يكون هناك مجال كبير للضياع و العشوائية و هو ما سيجلب لك الدهشة و يزيد من جمال الرحلة. و هو ما ذكرني بالمناسبة بصديق أمريكي إذ إن حيلته عند زيارة مدينة جديدة هي أن يكتب عنوان الفندق في ورقة (هذا كان قبل شهرة قووقل ماب) و يجوب المدينة بالكامل كالتائه ثم إن أصابه من التعب ما أصابه يوقف سيارة أجرة و يعطيه العنوان ليرجعه للفندق.
أشهر من يقع في فخ التعود هم أهل البلد أنفسهم , أسأل أحد الأصدقاء الكنديين عن شلالات نياجرا فيقول لي لم أزرها قط. تسأل مصري عن الأهرامات فتجد قلبه أقرب إلى مثلثات السمبوسه منها.و أسال نفسي كم كويتي زار أبراج الكويت من الداخل التي تمثل الرمز المعماري للكويت في أعين العالم؟
أشعر بكثير من السعادة عندما أدهش كبار السن , أعلم إنه أمر صعب و أن التعود هي السمة الطاغية عليهم و أعلم إن حياة التعود حياة مملة و قاسية و أقرب للإكتئاب .. أما البحث عن الدهشة فهو ملح الحياة.
و كما يقول د.بشير الرشيدي بأنه يستمتع بالحياة حتى في أبسطها , حتى أنه يخصص يوم ليركز على الألوان الحمراء أو الزرقاء التي تمر عليه في ذلك اليوم.
العالم مليء بالمدهشات .. و من يحتفظ بالدهشة .. لا يشيخ.