استمريت في السلم التعليمي حتى الحصول على شهادة الماجستير. أقول هذا بداية حتى لا يظن القاريء إني أنتقد التعليم من باب فاقد الشيء!
كثر هي النقاط التي تنتقد التعليم حتى اصبح اليوم الكثير من الناس تفضل إخراج أطفالها من المدارس لأنها مضيعة للوقت! ناهيك عن إن شركة قووقل بجلالة قدرها أصبحت اليوم لا توظف بناء على الشهادة الجامعية فهذا السؤال ليس من ضمن المتطلبات.
أريد أن أتكلم من بين سيل النقد حول ثلاث نقاط لا زلت لا أستطيع هضمها في التعليم التقليدي.
1- ضرورة الحظور. هذا أمر بالفعل يثير حنقي لا أفهم لماذا إصرار الطالب على الحظور من بداية تعلمه لأحرف الأبجدية حتى الدراسات العليا. أليس هذا شأن الطالب نفسه؟ أليس هو المسؤول في النهاية عن الفهم؟ لماذا يجبر على الحظور! ماذا لو كان يفهم أكثر من خلال الكتاب أو لا يحتاج إلى تضيع وقته في مسائل فهمها أسرع بكثير من أقرانه! طيب ماذا لو كان الطالب مشاغب , أليس إجباره على الحظور فيه نوع من التشجيع على تشتيت تركيز أقرانه. فالمشاغب ما إن يشعر بعدم استيعاب الدرس حتى يبدأ بمشاغبة من حوله و تشتيت انتباههم ليقعوا في نفس مشكلة عدم الفهم التي هو فيها. لو كان الحظور اختيارياً لما حظر صاحبنا أصلاً و لكانت بيئة التدريس أفضل!
2- التعليم لا يعكس الواقع. كم مرة سمعت هذه العبارة؟ سنوات و نحن نسمعها و تردد حتى في أفضل دول العالم تعليماً. بل حتى (و إليك هذه الصدمة) في تعليم الطب. صدمت لما سمعت دكتور يبشر طلبة الطب بأن الواقع مختلف تماماً عما يتم تدريسه!! ماذا بقي إذاً!
يبدو إن جزء من المشكلة تقع على طاقم التدريس الذي يعيش حياته بين جدران الفصل. ففي الغالب المدرس أو الاستاذ الجامعي يخرج من الدراسة إلى التدريس دون المرور بحياة مهنية أخرى فهذا النظام يتناقل بين هؤلاء المعلمين على إنه الحياة! لذلك من المشهور في هارفرد مثلاً استضافتها لمحاظرات لشخصيات مهنية لإعطاء دروس أو محاظرة على الأقل (سفير سابق, وزير اقتصاد, بل حتى رؤساء دول سابقين!!)
سبب آخر في فشل التعليم (حتى في الدول المتقدمة) في نظري هو إن المناهج معلبة. فالطريق للتخرج واضح جداً .. المواد واحد اثنان ثلاثة ثم إلى أربعة. ثم المنهج نفسه , يصبح المقرر عليك هو الفصل الأول إلى الفصل العاشر. كل شيء واضح و مرتب كل ما عليك فعله هو تخصيص المزيد من الوقت للدراسة. في الحياة الأمر يختلف لأن كل شيء غير واضح!
خذ مثلاً إدارة الأعمال, ما هو المطلوب منك في الإدارات الحكومية. أصلاً ما هي الإدارات الحكومية المعنية؟ هل يمكن أن تعمل دون المرور عليها؟ بعد استخراج الرخصة ماذا تعمل؟ هل تركز على الدعاية؟ الموظفين؟ المنتج؟ من أين تبدأ؟ كيف تتعامل مع بائع ممتاز لكنه يتأخر في العمل؟ و غيره من عدم اليقين المستمر و الغير واضح تماماً بخلاف المنهج العلمي.
3- الكل يربح مع الكيرف. نعم هذا النظام مستخدم حتى في الجامعات الأمريكية. إلا إنه غير عادل و غبي. الكيرف (لا أعرف ترجمته العربية) أي إعطاء الجميع درجات عالية باختصار هو فكرة غير عادلة و لا تشجع الطالب على بذل المزيد. الأفضل من هذا بكثير هو وضع مهام إضافية أو أسئلة إختيارية في الامتحان , من يحلها أو من يقوم بالمهام يأخذ درجات أكثر. ممكن أن تكون الأسئلة الاختيارية من خارج المنهج و لكن حول نفس المادة. هناك ظلم واضح في عملية الكيرف و مكافأة الجميع بنفس القدر إلا إن المنظمات التعليمية تستمر فيه!
4- قلة تقدير إن المعلم هو كل شيء. المنهج ينسى و الدرجات تضيع و تبقى تعاليم المعلم راسخة في الذهن. خاصة ذلك الذي يتكلم من تجربة حكت أسطرها على جلده و دروس تعلمها بقساوه و يقدمها بلطف للطلبة. أفضل المعلمين هو ذلك المطلع و المسافر و ذو الخبرة الذي يعطي الكثير جداً خارج إطار المنهج. ذلك الذي تكره كل من أسس المنهج و تحب الدقائق المتناثرة التي يقول فيها المعلم قصص مما قرأ أو مر عليه في حياته الشخصية أو ملاحظات ذكية مؤثرة في الحياة أو حتى ملاحظاته على المنهج و ما يعمل وما لا يعمل. ذلك الذي يطور من نفسه يطور من حوله.
يتردد على لسان الناس دائماً إن المناهج بحاجة إلى إعادة إعمار و المناهج بالية و تحتاج إلى الكثير من التجديد. لكن من يتذكر تلك المناهج حتى لو كانت الأفضل على مستوى العالم! نحن نتذكر ما هو خارج المنهج لأنه أكثر متعة و إتصال في الواقع. إن التركيز على المنهج أو البيئة أو حجم الصف لا يساوي شيء مع ضعف المعلم. المعلم لا يزداد درجات علمية من خلال زيادة راتبه. هناك أشياء أعمق من ذلك بكثير. كل مهنة كل هواية لها معلمين, هؤلاء المميزين كلامهم لا يقدر بمال و هي كل شيء في التعليم.