كدت أجعل عنوان هذ المقال "كيف تتعامل مع مرض لا شفاء منه" لكنه عنوان قاسي للأمانه و لذلك خففته لهذا العنوان الذي يعكس روح المقال بشكل أفضل.
ما أكتبه هنا هو نتاج تجربة شخصية وليس توصية طبية , أفترض أنك تعلم هذا تماماً لكن وجب أن أذكر.
كمية الأمراض التي يدرسها طالب الطب في مختلف تخصصاته تجعل المرء يفكر لماذا ينجب الأطباء الأولاد أو البنات و قد تنتظرهم كل هذه الأمراض؟ بعضها ذو نسبة عالية و الآخر أقل
بل حتى القراءة العامة و الإطلاع على حال الأصدقاء و الأقارب و ما يصيبهم من مرض تجعل المرء تردد من الفكرة أصلاً فلا زال الانسان بخلق ضعيف مهما حاول إخفاء ذلك. لكنك اليوم هنا موجود و من حولك موجودين و بت في القرار القديم في شأن ظهورك للدنيا من عدمه.
هب أن أصابك القدر بمرض غير اعتيادي فكيف العمل؟
أول الطريق الطبي السليم هو أن تنجح في تشخيص المرض تشخيص صحيح. هنالك ربما آلاف الأمراض المختلفة , كثير منها يتشابهه بالأعراض (هل تستطيع التفريق جزماً بين أعراض الإنفلونزا و الكورونا و نزلة البرد؟) و إختيار التشخيص بعناية هو نصف العلاج كما يقال. لماذا كل هذه الأهمية؟ لأنك ببساطة من بعد التشخيص السليم ستفتح لك خيارات كثيرة من العلاجات المختلفة.
الآن تأكدت بأن هذا التشخيص هو التشخيص المناسب والصحيح و ربما عرضت الأمر على أكثر من طبيب و أكد لك بأن التشخيص صحيح. لكن لسوء الحظ اكتشفت إن هذا المرض لا علاج له. حسناً سأكون أكثر دقة. إما لا علاج له أو لا علاج حاسم له. إذا كان لا علاج له فالحديث سيكون لاحقاً. أما إن كان لا علاج نهائي لابد إن هناك علاج مستمر إذاَ. الحل هنا أن تقوم بمتابعة كل جديد و ما وصل له العلم و تعتمد شدة متابعته بشدة تأثير المرض على حياتك. أنا أعاني من حساسية لا علاج نهائي لها لكنها لا تؤثر أبداً على حياتي بفضل حبوب صغيرة أتناول واحدة باليوم, لذلك حتى لو لم يوجد علاج نهائي فأنا أعيش بنعمة من الله. صديق لي يعاني من مرض يمنعه من حمل أي شيء أثقل من ١٥ كيلو مثلاً فهذا المرض رغم التشخيص الصحيح إلا إنه مؤثر بشكل مباشر على حياته.
صديق آخر ولد لديه طفل بمرض جيني نادر يحتاج علاج فوري لكن لسوء الحظ لا يوجد علاج نهائي في الطب. لأنه لا يجيد الانجليزية بطلاقه فهو يعتمد على طبيب الطفل المختص بهذا المرض و الذي كون معه علاقه صداقة يخبره بها أحدث الجديد في هذا المجال حتى آخر ما سيصل من علاجات. العلاجات تمر بثلاث مراحل رئيسية كي يتم إقرارها و يتابع الأطباء حسب اختصاصهم تلك المراحل و هو هنا بانتظار المرحلة الثالثة من علاج واعد لإبنه لكنه بانتظار صديقه الطبيب ليزف له الخبر. أما أنا فيكفيني أن أتابع المواقع العلمية و أسهلها google scholar و يمكنني حتى وضع اسم المرض كتنبيه في قووقل عند إصدار أي جديد حوله (google alert) بهذه الطريقة يكون المريض على إطلاع بأي جديد حول مرضه الذي تم تشخيصه لأنه حسب الدولة التي تعيش فيها فربما ظهر علاج نهائي لحالتك لكنك لم تسمع به ولا يتوفر في بلدك لسنوات!
فما العمل مع المرض الغير مشخص إذاَ؟
مرة كنت أتناول الغداء في أمريكا في مطعم و بقربي طاولة سيدة كانت تشتكي للنادلة همها في أسى قائلة: إنها أتت هذه المنطقة و تقصد هذا المستشفى (المصنف كثاني أفضل مستشفى على مستوى العالم) لكن الأطباء ما زالوا في حيرة حول مرضها و لا يدرون ما هو تشخيصه الصحيح!
الحيرة هنا تزداد عندما يشخصك كل طبيب حسب ما درسه. صديق لي كان يعاني من ضيق تنفس فشخصه طبيب أمراض صدرية بمرض الربو و شخصه طبيب أنف و إذن و حنجرة فإنها لحمية و ثالث أتى برأي آخر نسيته. كان واحد منهم هو المصيب. لكن مع هذا قد يقع المريض في حيرة حول مرضة و لا يشخصه أصلاً الأطباء خاصة لو كان واضح المعالم أي لا يشترك بالتخصص أطباء آخرون. احمرار أو ظهور بقعه في الجلد هو تخصص أصيل لأطباء الجلدية لن تحتاج إلى زيارة طبيب عيون مثلاً!
لكن تخيل إن الأطباء سواء نفس التخصص أو غيره احتاروا في أعراضك و هو ما حدث للسيدة التي ذكرت قصتها عند ثاني أفضل مستشفى في العالم. فما الحل؟
هناك أمراض تختفي رغم إنه مثبت طبياً إنها أمراض مزمنه. و إنك لو راجعت إختفاء هذا المرض من هذا الشخص لما وجدت طبيب واحد يجروء على إعطاء نفس النصيحة كونها غير طبية بتاتاً. لكن ما المانع من البحث عن هذه الطرق و الإطلاع عليها؟ مع الأخذ بالعلم بأنه قد يقسم أحدهم بشفاء آلامه بعد استمراره على تناول عشبة ما لكن في الحقيقة هذه العشبة تعمل كمسكن للآلام مثلاً ولا تقوم بدور حقيقي في العلاج!
كيف البداية مع المرض المزمن؟
الأفضل أن تبدأ بالحلول الغير دوائية أو لأوضح أكثر (لا تؤخذ مثل الدواء عن طريق الفم) مثلاً لا شك بأنك ستبدأ بالكثير من الدعاء ثم أي؟ تتوجه إلى الأمور الأخرى مثل التأمل أو أداء عمره أو اليوغا أو التمارين التنفسية أو العيش باللحظة أو الانغماس بالتجارب أو السفر و النوم وسط الطبيعة أو الإعتكاف في مسجد أو غمر الجسد في الثلج ٣ مرات بالإسبوع بإسلوب wim hof أو السونا أو السباحة بالمياه البركانية أو غيرها الكثير. هذه تعتبر علاجات غير دوائية في الغالب عملها إن لم يحل المشكلة فإنه لن يزيدها سوء. أستطيع أن أعدد لك عشرات القصص لأناس تشافوا من هذه الأساليب رغم إنك قد تراها غير منطقية حتى المختلفين عنك بالدين و المذهب ستجد من يقسم لك بالله ثلاثاً بأنه فعل أمر ديني و لنقل سفر أحد اليهود إلى حائط المبكى ثم تشافى من بعد رحلته تلك من ذلك المرض العضال! الوهم (placebo effect) ينجح أحياناً كثيرة في علاج المرض و هذا حتى مدعم بالشرع بالمناسبة, لو نجح الوهم معك فهذا خبر جيد ولا تحتاج إلى البحث أكثر. أصلاً غاية شركات الأدوية و العلاجات أن تأتي بنسب نجاح أعلى من علاجات الوهم!
قبل الذهاب للخطوة الأخيرة تأتي أيضاً خطوة مهمة و هي قد تدفعك للتفكير بالمقلوب رغم إن الأطباء غالباً لا يطرحونه لسبب محير! و هو ما حصل لي خلال زيارة أكثر من طبيب. كنت أعرض عليهم شكوى مرض ثم يسألوني عن زمن ظهور المرض و تكراره و أسألة روتينيه تنتهي بطلب فحوصات مخبرية أو إكلينيكية و لكم كنت أستغرب من عدم طرهم لسؤال مهم جداَ و هو: هل بدأت بتناول شيء ما مؤخراً؟
دكتور تغذية ذهب والده إلى الطبيب دون علمه يشكو من أمر (نسيت التفاصيل الآن) لكنه لم يخرج بشيء. عندما باح لولده عن الموضوع سأله: هل تناولت الكثير من الفراولة في رحلتك إلى أوربا الأخيرة؟ فأجاب بنعم فضحك الإبن و قال هذا السبب , فقط توقف و ستتحسن و هو ما حدث فعلاً!
طيب ماذا عن المكملات الغذائية الكثيرة جداً؟ ألا يحتمل أنك قد بدأت بتناول أحدها و كان هذا المرض نتيجة طارئة لهذا المكمل مهما حسنت سمعته؟ أذكر إني مرة تناولت مكمل عشبي شهير اشتريته من أمريكا فشعرت بألم شديد مفاجيء و لم أفهم ما السر إلا بعد ما قرأت مراجعات للمنتج في أمازون و ووجدت شكوى شخصين من نفس ما اشتكيت منه تماماً و عندما توقفت راح الألم!
و على الخلاف مرة أخذت مكمل رياضي لدكتور في التغذية , دكتور أمريكي شهير بالمناسبة و من الأمور التي شعرت فيها بعد أخذ المكمل الذي يفترض أنه رياضي هو الهدوء و الطمأنينه الغريبة التي نزلت علي فجأة. سألت الدكتور نفسه فأجاب هذه أعراض توازن هرموني. لم أقتنع في الحقيقة حتى بحثت عن مكونات الخلطة و كان بالمناسبة مشهور بشفافيته بعرض تفاصيل مكملاته. اكتشفت لاحقاً بأن أحد المحتويات كان عشبة هندية شهيرة جداً في مكافحة القلق لم يعلم عن فوائدها هذه الدكتور نفسه!
إذاً يجب أن توقف آخر الأشياء التي طرأت على غذائك من مكملات أو أغذية جميعها مرة واحدة و تنتظر إذا ما اختفى المرض , إذا اختفى يمكنك أن ترجع ما تتناول مرة واحدة لكل صنف أي لا ترجع الجميع مرة واحدة حتى تكتشف أيهم كان السبب في ذلك. يمكنك كحل بديل لكنه سيطول ولا أنصح به أن توقف صنف صنف و تنتظر حتى ترى نتيجة كل شيء.
الخطوة الأخيرة و هي يجب أن تكون الأخيرة لأنها محفوفة بالشوك و طويلة و هي البحث عن العلاج البديل الذي يؤخذ عن طريق الفم. النقطة هذه حساسة لأن بعض ما سيمر عليك سيكون له مخاطر تضاف إلى ما تشكو منه. سأعطيك نماذج حقيقية حدثت معي, كنت أبحث عن مكملات تقوي المناعة و طبعاً ذهبت فوراً إلى أشهر المكملات في عالمنا العربي على الأقل فبدأت بالكركم ولأن الكركم بعضه يأتي مغشوش و يخلط بالرصاص لتحسين لونه حرصت أن أطلبه عضوي من أمازون لكن رغم آلاف التقييمات المادحة للمنتج , وجدت أحدهم يعرض بالدليل بأن هذا المنتج عندما يباع في كاليفورنيا عليه تحديث من الولاية بأنه يحتوي على مواد يشتبه بأنها مسرطنه (أعرف إن كاليفورنيا شديدة في هذا الأمر) لكنه يظل تحذير!
مثال آخر على نفس الغرار و هو الذهاب إلى المنتجات المشهورة بتقوية المناعة و هو منتج العسل و كما هو مشهور (حقيقة أو تسويق ربما) إن عسل المانوكا هو الأفضل في تقوية المناعة بين بقية الأعسال و بعد بحث يطول عثرت على ضالتي حتى وجدت على الأضمن من بينهم و لكن خيبت الأمل أصابتني عندما قرأت تقييم لشخص يشكو من إصابته بآلام بطن مبرحه هو و عائلته بعد تناول هذا العسل و هو أمر لا أريده على الإطلاق طبعا!
لكن باب الأعشاب و المكملات يظل باب كبير و قد يجد فيه المرء ظالته , صحيح إن الطبيب لن يصرف لك عشبه إلا وهو يطلب البحث الدقيق حولها إلا إني أجد إنه من الصعب انكار العدد الكبير من آراء الناس حول عشبة أو مكمل ما. و الباب كبير للغاية لكني أشجعك أن تبدأ في المكملات التي تقوي المناعة في حالة لم تجد ما يكتب عن أعشاب فتعالج مرضك.
في البدء جرب موقع ممتاز جداً اسمه examine.com . ميزة هذا الموقع إنه يعتمد على أهم عاملين في البحوث العلمية أولها الدليل و البرهان ثم قوة التأثير. فلو إنك قرأت عن عشبة تساعد على التغلب على الأرق فالموقع سيضع لك قوة الأبحاث (إن كانت قوية أو كثيرة) ثم قوة التأثير. إذ إن هذه العشبة لربما أجريت عليها دراسات عدة و قوية لكنها تجمع على إن تأثير العشبة على الأرق هو تأثير ضئيل لا يذكر. و هنا يجب أن تستهدف الأمرين.
موقع آخر ممتاز و أستخدمه شخصياً و هو consumerlab.com ميزته أولاً إنه يستمد مصدر دخله من الاشتراكات وليس الإعلانات, يقوم بمقارنة مختلف العلامات التجارية للتأكد أولاً من إن المحتوى داخل العلبة هو فعلاً ما تدعيه الشركة وليس محتوي أقل أو حتى منتج آخر. مثلاً عشبة (كذا) تباع في علبة محترمة لكن الكبسولات بالداخل عبارة عن طحين مخلوط بالعشبة بكميات عالية! الموقع هذا متجدد و يحدث قائمته باستمرار. فلو قررت أن تبحث عن شيء يدعم المناعة مثلاً و أنت راضي بدفع ٢٠ دولار للعلبة فلماذا لا تدفعه للشركة الأفضل؟ و يتأكد بأن الجرعات الموجودة مناسبة , فصدق أو لا تصدق هناك شركات تضع جرعات أعلى من الجرعات المعدل الطبيعية بأكثر من ١٠٠٠٪ نعم ألف بالمئة شاهدت بعيني لربما كان الهدف هو الصدمة من التغيير القوي لكن بعد مدة ستجني المضاعفات.
نقطة مهمة و هي إن الطب نفسه يقر بأن بعض الأمراض الجسدية تظهر نتيجة مشكلة نفسية و تسمى علمياً (الأمراض السيكوسوماتية) و للأسف أيضاً تهمل من قبل كثير من الأطباء في التشخيص. ربما يذهب ذلك الصداع المزمن من خلال حل مشكلة القلق. لا تدري , لكنه أحد الطرق التي يجب أن تسلك ولا يستهان بها.
الحل الأخير قد لا يرضيك لكنه يعمل صدقني في كثير من الحالات و هي أن يأتي الشفاء هكذا من تلقاء نفسه. حدث معي و متأكد إنه حدث مع كثير من حولك و ربما حدث معك شخصياً. أن تعلم بأن الأمر قد يختفي من تلقاء نفسه كما حدث لكثير من الناس هو أمر مطمئن. العامل النفسي له دور عملاق في العلاج و تعرفك على حالات حقيقية تشابه حالتك و تشافت من تلقاء نفسها سيكون عون لك في هذه الرحلة.
أسأل الله العظيم رب العرض الكريم أن يشفي الجميع.