من أكثر الأشياء التي تعجبني حقاً في أمريكا هي إنها تقدم لك الفرصة الثانية مهما أخطأت من قبل. كما إن المجتمع هناك سيقبلك من أين أنت و لن يوجد عليك ضغط بأن تتبع توجه العائلة أو القبيلة.
جاريد كوشتنر زوج ابنة الرئيس الأمريكي ترامب و المعين كمستشار رسمي له يأمر و ينهى في الشرق الأوسط .. من هو والده؟
في قضية لا يمكن حتى تخيلها حاول والد كوشنر أن يسجل بعض أقاربه ضمن الحزب الديموقراطي دون علمهم, و لما تم كشفه من قبلهم أسقط في يده فقام بابتزاز زوج أخته (الذي كان أحد ضحايا التسجيل المزور) و قام باستئجار مومس و تصوير زوج أخته معها سراً ثم هدده بإرسال الشريط لزوجته في حال استمر في الموضوع!! أعرف الموضوع غريب جدا جدا لكن هذا ما حصل.
هل لاحظت إن الأب كافح و زور من أجل الحزب الديموقراطي بينما الابن تزوج ابنة رئيس الحزب المعادي (الجهموري)؟
الآن قد تقول إن الابن لا يجب أن يتحمل وزر أبيه. و هذا كلام حسن لكن تخيل لو كان الأمر في بلد عربي؟
وعليه دعني أحدثك عن سيناريو تخيلي و أريدك أن تتخيل النتيجة التي ستأتي من وراءه. تخيل إن شخص زور شيكات بنكية و اخذ أموالها ثم انحل شخصية طبيب و عالج الناس ثم مل و انتحل شخصية طيار ثم طار العالم ثم تقمص دور المحامي و قام بأعمال إجرامية أخرى فما هي توقعاتك لمصيره؟
السجن هو الجواب الطبيعي , لكن ماذا لو قلت لك إن تلك القصة حقيقية و قام بها فرانك أبيجال الذي نشر عنه فلم Catch me if you can. لكن أين المفاجأة؟ إن فرانك بعد خروجه من السجن عمل في وكالة التحقيق الفيدرالية الأمريكية التي قبضت عليه! كونهم يعتقدون بأنه امتلك خبرة جيدة ممكن أن تفيدهم ليس هذا فحسب و إنما أنشأ شركته الخاصة المختصة في أمور مكافحة الاحتيال و حقق أرباح ممتازة على ضوئها كان يردد في محاظراته "أنا ممتن إني موجود في بلد يعطيك فرصة ثانية"
أكره حقاً جلد الذات لكن نحن حقاً لا نعطي حتى الفرصة الأولى في كثير من الأحيان. ألسنا نحن من نعاير الناس بأجدادهم حتى؟ أليست هناك عوائل سميت حتى بأسماء عير بها أجدادهم؟؟
أليس يجب أن تثبت من أين أنت و من هم أهلك و ما هو مذهبك و دينك ربما حتى تحصل على الفرصة الأولى حتى؟
ربما هذا يفسر لماذا يصر البعض على استخدام الألقاب التي حصلوا عليها من مهن في أمور لا علاقة لها فيها. في وسائل التواصل الاجتماعي يصر على وضع كلمة دكتور قبل اسمه رغم إن حسابه عبارة عن تذمر حول كل شيء في الدنيا ولا شيء متعلق بالطب. أو مؤلف كتاب يضع قبل اسمه حرف الميم كي يثبت للناس إن مؤلف الرواية مهندس رغم إن الرواية لم تستخدم معادلة واحدة حتى. و الأكثر من ذلك هو ما يقوم به البعض بوضع اللقب في النعي. (انتقل إلى رحمة الله تعالى الدكتور ...) حقا؟ و ما يفيده الآن أن يكون دكتور أو سباك و هو في عالم البرزخ.
هل تعلم إن جيف بيزوس أثرى رجل في العالم مهندس ميكانيكي خريج من أحد أفضل جامعات العالم. متى آخر مرة سمعت أحد ناداه بباش مهندس؟ ولا مرة؟؟ هممم.
أمريكا ليست المدينة الفاضلة و لا حتى قريبة منها و مستعد أن أسرد لك عشرات الأمثلة و القصص على ذلك لكن أن تحقق دولة و مجتمع هذا المستوى من القبول لهو أمر رائع للغاية.
اللقب لدينا هو فرصتك الأولى و الأخيرة للتشبث بشيء و يصعب بعدها أن تفرط بذلك فإما أن يهنأ جيلك بأكمله أو يتم لعنك لأجيال و هذا سر تمسك الناس بها حتى القبر.