التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ابتكارات إدارية تستطيع تطبيقها اليوم





الإدارات الحكومية في العالم و خاصة في الدول المتأخرة تعاني من تخمة و صعوبة في الفاعلية و آخر شيء يمكن توقعه منها هو أن تخرج بإبتكارات جديدة في مجال الإدارة العامة.
فكرة دخول ابتكار موجود أصلاً في مؤسسات أخرى و تطبيقه في الإدارات الحكومية هي فكرة مرعبة لأي مسئول تقليدي إعتاد على النظر للأمور بنفس الزاوية دائماً كان و سيكون. ناهيك عن وجود عناصر قيادية جادة تسعى لمحاولات ابتكارية و لكن تأتيها معوقات خارجة تماماً عن إرادتها كالتكلفة المالية العالية أو القوانين. لذلك تهدف الدول المتقدمة دائماً إلى تقليص حجم الحكومة كي لا تعيق تحرك الدولة للأمام, لذلك مثلاً كانت كلمة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريقن (الحكومة ليست الحل لمشاكلنا) يقصد إن تقليص الحكومة و تفيض معظم الأمور إلى جهات خاصة سيعطي سرعة و يزيد من فاعلية الدولة ككل , لأنه من المهم تذكر إن الحكومة هي جزء مكون للدولة و ليس هي الدولة.

لكن لا يعني كل هذا أن مصير الحكومات لدينا مكتوب عليه الفشل إذ إن الابتكارات يمكن أو تخلق من دول تعارض قوانين أو حتى تكلفة مالية تذكر و لأدلل على ذلك سأذكر مثالين لمؤسستين غير حكومية رفعا الأداء بفاعلية دون هدر بالموارد.

المثال الأول من أمريكا في العام 2004 قامت تسعة مستشفيات في ولاية ميشيغن بتوفير 75 مليون دولار أمريكي من النفقات و انقاذ حياة 1500 شخص من خلال ابتكار إداري بسيط تم تطبيقه خلال سنة و نصف. في الحقيقة لم يكن ابتكار جديد و إنما شيء بسيط لكنه مستصغر في عين الكثير من الإداريين. ما قاموا به هو مجرد إجبار الأطباء و الإداريين على استباع قائمة تدقيق ( Checklist ) يتم من خلالها إتباع إجراءات عملية واضحة و توقع بالأسفل إقراراً بإتباع جميع الإجراءات المطلوبة لعمل المهمة المحددة. فمثلاً نقل مريض من مكان إلى آخر له قائمة تدقيق خاصة و إخضاع مريض لعملية جراحية تتطلب اتباع قائمة تدقيق مختلفة و لكل شيء تقريباً قائمة تدقيق. كانت ورقة بسيطة و لم تكلف المستشفى شيء و لكن فاعليتها كانت قوية جداً!

المثال الثاني من ايطاليا حيث عانى أحد ملاك المصانع من مشكلة في مصنعه إذ إن نسبة الغياب في المصنع عالية و تكلف المصنع الكثير من التأخير و بالتالي الأرباح وصل معها الحال إلى اقتراب المصنع من غلق أبوابه!
الحل البديهي كان هو بفصل الموظفين الذين يغيبون باستمرار و لكن المشكلة في ايطاليا إن نقابات العمال هناك قوية بحيث يبدو من المستحيل فصل الموظفين هناك. كما إن غياب الموظفين كان دائماً مرتبط بعذر طبي (رغم إن صاحب المصنع لاحظ إن الغيابات تزيد بالذات في أوقات مباريات كرة القدم) و طبعاً لكل غياب عذر طبي.
الحكومة الايطالية و في مستعى للقضاء على هذه الظاهرة قامت بتوظيف أطباء متفرغين يزورون منازل المرضى فقط للتأكد من إنهم فعلاً مرضى و لم يأخذوا الأعذار المرضية كذباً. لكن المشكلة إن هؤلاء الأطباء لهم مواعيد عمل محدده و جميع الايطالين يعلمون يقيناً إن هؤلاء الأطباء لا يعملون ليلاً و لا في إجازات عطلة نهاية الاسبوع و لذلك كان الحل الحكومي غير فعال تماماً لدرجة قام صاحب المصنع هذا بتوظيف أطباء من جيبه لزيارة المرضى و التأكد من مرضهم و لكن أيضاً الايطاليين لهم حيلهم بالتظاهر بالمرض.
اقترب موعد اغلاق المصنع و ازدادت الصعوبات المالية على صاحبه حتى قرر بعمل ابتكار إداري بسيط و غير مكلف و هو إنه قام بعمل قائمة كبيرة فيها أسماء جميع الموظفين الذين يغيبون و نسبة غياب كل شخص و أسماء أكثر دكاترة أعطوا إجازات مرضية و نسب الإجازات التي أعطوها و سجل كل ذلك في ورقة ثم أرسل هذه الورقة لكل العاملين في المصنع و أهاليهم و نقابة الأطباء و وزارة الصحة الايطالية (يعني فضيحة!) هذا هو كل ما فعله فقط لا غير و لم يعاقب أي موظف فيهم. مجرد استخدم الضغط الاجتماعي على الموظفين الكسالى و الأطباء المتقاعسين. هذا الابتكار البسيط رغم بساطته إلا إنه كان السبب الرئيسي في خفض الغياب بين موظفي المصنع حتى 4%!

الخلاصة إن هناك ابتكارات سهلة التطبيق و لا تكلف شيئاً و لكننا نستصغر تطبيقها لسبب أو لآخر!

Resources:
- Do More of What Already Works. James Clear.
- NPR Radio.