التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما الذي ستضحي به؟

  


خلال أيام الحظر التي فاتت شاهدت فلم واثائقي مثير حقاً و ربما لم أكن أصدق ما جاء به لولا إن تم توثيقه من جهات محايدة , الفلم اسمه Maidentrip و هو باختصار عبارة عن طفلة هولندية عمرها ١٤ سنة تقوم برحلة حول العالم بقاربها الشراعي ((لوحدها))!!

لك أن تتخيل إن الرحلة كانت بدعم كامل من والدها و طبعاً معارضة شديدة من الحكومة الهولندية حتى صعدت الموضوع إلى القضاء و ذلك لكي تسحب الوصاية من على طفلته لأنه شخص متهور يريد أن يجعل بنته ذات ال١٤ ربيع أن تعبر المحيطات لوحدها وهذا طبعاً لا يفعله أب عاقل.

إلا إن المفاجأة إنه كسب القضية ضد الحكومة و سافرت لورا ديكير حول العالم بقاربها الشراعي و استغرت مدة سفرها عامين وثقتها بكثير من المغامرات. لو كنت نفسي فغالباً ستنجذب للفلم ثم تصاب بشيء من الاحباط عندما تقارن حياتك و أيامك التي مضت مقارنه مع هذه البنت التي جابت العالم بقاربها الشراعي بسن صغير , ربما عندما كنت في سنها كان أقصى طموحك هو أن تحضى بآيس كريم مجاني أو تلعب كرة القدم مع أصحابك حتى تغيب الشمس ولا يوبخك أحد عند عودتك متأخراً

أو مثلاً قارن هؤلاء الشباب أصحاب قناة (يس ثيري) الذين تمتليء قناتهم بمغامرات مذهلة ستجعلهم يحملون عشرات القصص أو أكثر لأبناءهم عندما يكبرون و يروها لهم ثم تنظر إلى نفسك مجدداً بشيء من الأسى.


طبعاً النماذج لا تنتهي , لكن لأعدل هذه النظرة المختلة لدي قبل أن أعدلها لديك سأذهب إلى أول درس في مادة الاقتصاد (حرفياً أول درس). و هو إن الحياة عبارة عن عمليات تبادل trade off .. كل شيء هو مبادلة. هذه لورا ديكير طافت العالم بقاربها الشراعي لكنها تخلت عن دراستها و من ثم احتمال كبير عن وظيفة تدر عليها دخل جيد و حياة مستقرة , هي ضحت بهذا و أنت اخترته

شباب قناة (يس ثيري) أقحموا أنفسهم في عشرات المغامرات المرهقة آخرها التيه في صحراء نفادا (تحديداً في وادي الموت) أسخن بقعة على وجه الأرض في أسخن أيام السنة و هي عملية مرهقة للغاية حتى على أبناء الصحراء بينما أنت أخترت أن تتفرج على كل ذلك تحت تكيف بارد و وجبه شهية و كرسي مريح و كل ذلك أمر مقبول تماماً لأن العملية مبادلة في النهاية ولا يمكن أن يكون اختيارك سيء إذا كنت مسرور فيه.

كل تحسين ترغبه في حياتك لابد وان تدفع ثمنه ، لانه مخالفا لهواك ورغباتك ، وثمنه الحرمان والصبر والانضباط والتضحية ، لكن بالمقابل أن تشتري الراحة أو كما نقول "اشتري دماغه" هذه لا بأس بها إن اقتنعت تماماً بأن الحياة عبارة عن مبادلات و أنت قمت إرادياً بهذه المبادلة.