التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قماش بنغلاديش




رغم أن هناك الكثير من التحديات الاقتصادية في الدول العربية اليوم ربما بشكل لا يمكن حله إلا بتغييرات كبيرة في الدولة. إلا أن تاريخياً هذا الأمر غير دقيق بشكل كامل, إذ يمكن لتحركات صغيرة أن تقلب كيان الدول اقتصادياً. مثلاً في بداية السبعينات كانت بنغلاديش بلد يكاد يخلوا من كل شيء صناعي, جاءت مبادرة شخصين هما عبدالمجيد جاودري و نورول قادر لنهضة البلد و ذهبها أول ما ذهبها إلى كوريا الجنوبية حيث إنها كانت في مثل وضع بنغلاديش قبل عشرين سنة, حينها كانت كوريا تنمو بشكل سريع من فقر بمستوى بنغلاديش إلى اللحاق بالدول الصناعية و كان أول ما يساهم في نهضتها هو عمليات التصدير المكثفة للسلع و أبرزها كانت الملابس. الملابس تعتبر من أكثر الصناعات التي تعتمد على أيدي عاملة و بالتالي عملية التوظيف فيها مرتفعه مقارنة مع بقية الصناعات و لأن عمليات التصدير هذه أضرت بصناعة الملابس في أمريكا , أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسن عن وضع سقف أعلى (كوتا) للكميات التي من الممكن لكل دولة نائشة أن تصدره إلى أمريكا و لأن القرارات الكبرى مثل هذه كان يجب أن ينظر إلى نتائجها المحتملة قبل أن تقر, نجحت كوريا الجنوبية بالإلتفاف على القرار عندما وصلت للحد الأعلى و قامت بقبول العرض البنغلاديشي عن طريق تدريب مجموعة بنغلاديشيين ليتم تدريبهم في كوريا الجنوبية (و هي صناعة لا تتطلب مهارة عالية) و بالتالي يتقنون عملية صناعة الملابس و من ثم تصبح بنغلاديش هي ذراع ثاني لتصدير الملابس من كوريا الجنوبية إلى أمريكا بشكل يلتف على قانون الحد الأعلى للدول الناشئة. رغم تواضع عدد الذين تم تدريبهم (١٢٨ شخص فقط!) في مجتمع يعيش فيه اليوم ١٥٠ مليون نسمه (أو نصف عدد سكان أمريكا!) إلا إن هذا القرار و إن بدى بسيط في نظر البعض إلا إنه أحدث ثورة اقتصادية في بنغلاديش. اليوم بنغلاديش تصنع ملابس جي سي بيني , وال مارت , زارا ,إتش أند أم و غيرهم و تعتبر ثاني أكبر مصدر للملابس في العالم بعد الصين بدخل يعادل ١٨ مليار دولار من هذه الصناعة فقط, ناهيك عن آلاف الوظائف التي وفرتها هذه الصناعة للبنغلاديشيين ليس هذا فحسب بل انتشل ٣٠٪ من سكان بنغلاديش من خط الفقر عندما كانت (قبل صناعة المنسوجات) أفقر من دول في أفريقيا!
إن وجود قرار جاد و إن بدى بسيط في ظاهره إلا إنه من الممكن أن يكون له تأثير كبير في المستقبل الاقتصادي للبلد و بالتالي انتظار حدوث معجزة كبرى في بلداننا يمكن أن تتم من خلال مبادرات صغيرة كتلك.