التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قطرات سوداء لزجه

 



كنت أشعر بتحدي كبير مع زيارة أي صديق أجنبي لي في بلدي أو حتى لو زرته أنا في بلده و أسأل نفسي أي شيء أهديه؟ ثم بدأت بتجربة إهداء أشياء و ملاحظة ردت الأفعال. ماء زمزم مثلاً مفرح بشدة للمسلمين في الخارج (لو أهديته لمسلم في اندونيسيا مثلاً) ثم اكتشفت إن التمر ذو الجودة العالية يأتي بمفعول مميز للأجانب. لكن هنا يتوقف التفكير لدي , فأنا أريد أن أهدي شيء لا ينتهي بأكله أو شربه .. و الحقيقة إني لم أعرف حتى تذكرت الزجاجات الصغيرة التي تحبس بها كمية صغيرة من النفط لكن هذه ندرة الوجود و الحقيقة لا أعرف أصلاً كيف أعثر عليها لأنها بالعادة تهدى من قبل شركات النفط. فكتبت في تويتر ساخطاً بأنه من غير المعقول أن لا تتوفر هذه كمنتجات للإهداء بل و حتى للاقتناء الشخصي لأني متأكد بأن كثير من الناس بل و مواطني الأراضي النفطية الذي يدفع النفط مرتباتهم و يبني مساكنهم .. لم تروا نفط أمامهم في حياتهم! أمر مؤسف أن لا تتوسع فكرة الحصول على ذلك. 


بعدها بأيام فاجأني صديقي بهدية عينات من النفط تلك (لا يزال الحصول عليها أمر صعب) لكني على الأقل من الذي حصلوا عليها. و فور وضع يدي عليها أثارت شجوني بعض الكلمات متأثراً بكلمات الراحل كارل سيغان عندما شاهد صورة الأرض الباهتة التي التقطها مكوك فضائي بالقرب من زحل. فقلت التالي:


هذه القطرات السوداء اللزجة قد لا تبدو لسكان الأرض أي أهمية خاصة. ولكن بالنسبة لنا يختلف الأمر. انظر مرة أخرى إلى هذه القطرات. عليها عاش كل من تحبه، كل من تعرفه، كل إنسان موجود في وطنك. هي جملة أفراحنا ومعاناتنا، كل طفل واعد، كل مواطن كل وافد, كل مشهورٍ، كل قائد ، قد عاش على عصر هذه القطرات. تأمل كل أنهار الدم التي أريقت للظفر به، هذه القطرات تصنع أوضاعنا المصطنعة وما نتصوره من أهمية ذاتية، فضلاً عما لدينا من أوهام حول وضعنا المتميز في الكون. وجود هذه القطرات اللزجة ليست سوى بقعة ضئيلة وحيدة بسيطة في غلاف من تاريخ أرضنا الطويل. وفي هذا التاريخ لا تبدو مساعدة ستأتي من مكان آخر لإنقاذنا من أنفسنا بعد زواله.


إن هذه القطرات هي الشريان الأساسي للحياة هنا في أرض لا يمكنها في أوضاع أخرى أن تحمل كل هذه الملايين من البشر. ولا يوجد أي مكان آخر يمكن أن يُهاجر إليه كل هؤلاء الملايين في المستقبل القريب. إننا نقدر فحسب على القيام بزيارات، أمّا الإستقرار، فليس بعد. و ربما لا يوجد توضيح لحماقة تصورات بعضنا أفضل من هذه الصورة المأخوذة لتذكرنا بتاريخنا الصغير. وبالنسبة لي، فإن هذه الصورة تؤكد مسؤوليتنا في التعامل مع بعضنا البعض بمزيد من الرعاية والعطف و تبقى هذه الأرض بنفطها أو بدونه هي الوطن الوحيد الذي عرفناه.