قبل سنوات عدة قررت فجأة أن ألعب أحد الفنون القتالية , كانت هذه اللعبة تحديداً تتصف بالدفاع فقط ولا يمكنك أن تتعلم أي حركة أو اسلوب مهاجمة أبداً و هو أمر مثير بالنسبة لي. كان حظي بأنه مع ثاني درس جاءت مدرسة الفنون القتالية هذه دعوة من قبل شركة كبيرة و معروفة. أحد الذين يعملون هناك كان صديق للمدرب و هو مسئول عن الدورات و ورش العمل و يبدو إنه استغل ذلك بأنه وجه دعوة لمدرب أمريكي لإعطاء دورة. ولأنها شركة كبيرة جداً لم نكن بحاجة لدفع فلس واحد لأن كل شيء قد تم دفعه بالفعل!
كأي دورة أخرى بدأت الدورة هذه بالأفكار النظرية و كان أولها هو تشغيل فلم قصير للمدرب و هو يدرب أناس في المستوى (المتقدم), طبعاً كان متقدم إلى درجة إنه لا يلمس الأشخاص المهاجمين له و كان المهاجمين بالفعل يتألمون من خلال الإشعاعات التي يرسلها لهم عن بعد! ذهلت جداً هنا و كان كل تركيزي و همي هو تعلم هذه التقنية السحرية لأني كشخص يستخدم المنطق كثيراً فكرت في إنه لماذا أهلك جسدي في تعلم كل هذه الأساليب الملتوية و الخطرة بينما بإمكاني أن أصد جميع الضربات من خلال الكهرباء عن بعد.
هكذا ظللت أمارس تمارين اللياقه من اليوم الأول حتى اليوم الأخير بانتظار لحظة الصفر و تعلم هذه التقنية التي لم يعلمنا إياها حتى آخر يوم , فرضيت على الأقل بأن يجربها علي و أشعر بالألم بنفسي و عندما يحدث هذا سأعصر قووقل عصراً لأفهم كيف يمكنني فعل ذلك.
جاءت اللحظة الأخيرة وخابت كل رجائي , إلتفت علينا المدرب و صار يلقي علينا بتعويذاته المؤلمة إلا إنه لم يتأثر منا أحد! علامات الاستغراب ظهرت فوق رؤستنا و نحن نلتفت لبعض ليتأكد كل منا بأنه ليس مستثنى من هذه التعويذات إلا إن الجميع اشترك بأنه لم يتأثر بشيء. لممت متاعي و رحلت مع خيبة أمل كبيرة.
ما لم أفهمه حينها هو كيف تأثر الناس في الفيديو و هم ليسوا أمريكيين بل مواطنين نعرفهم و كانوا يقسمون بأن الآلام مبرحة! لاحقاً فهمت الأمر إنه الوهم يا جماعة.
الايمان بالشيء يخلق تأثير له حتى لو كان فعلياً لا يعمل. و المصيبة إن العكس صحيح. و هو ما يسمى بتأثير البلاسيبو , هناك حبات تباع في أمازون و ذات سعر مرتفع حتى تحتوي على لا شيء سوى أشياء مثل طحين الأرز. الأعجب من هذا بأني كنت أقرأ المراجعات لمستخدمي الحبه فإذا بي أجد أحد المعلقين يقول بأنه يستخدم الحبوب بشكل يومي لأنها تعمل في شفاءه من مرض ما حتى مع علمه بأنها حبوب وهمية! لأن دواء الوهم يمكن أن يعمل حتى و إن عرفت إنه دواء وهمي.
في المقابل يمكن أن لا يعمل دواء حقيقي لو كنت غير مقتنع به و هو ما يسمى بالنوسيبو و أذكر مرة بأني قرأت قصة طفله كانت تأخذ دواء لمدة طويلة و كحيلة من الأطباء لتقليل أثر الدواء تم استبداله خلسه بدواء وهمي مع مراقبة حالتها و بالفعل نجح الأمر إلا أن جاءت ممرضة تعيسة و أخبرت الطفلة بأن ما تأخذه ما هو إلا دواء مزيف و هنا تخيل الحال في جسد الطفلة و صار لا يتفاعل مع الدواء الوهمي بل و حتى عندما عاد الأطباء لإعطاءها الدواء الحقيقي ظل جسدها معاند ولم يتأثر!
رغم معارضتي لعل العلوم المزيفة إلا إني لا أستطيع إلا أن أوافق على أن يستمر المرء في تعاطي العلم المزيف وهي كثيرة جداً لو كان أثرها باقي عليه. لو كنت أنا لصار الموضوع صعب للغاية لأني أبحث عن أقوال المختصين و الرأي الآخر و آخر الأبحاث و نسبة التفاعل حتى أقتنع بالأمر. و لربما كان ذلك سبب يؤكد بأنه أحياناً الجهل نعمة.